Tuesday, December 22, 2009

لا تصالح

.. فنظر كليب حواليه وتحسر, وذرف دمعة وتعبر, ورأى عبدا واقفا فقال له: اريد منك يا عبد الخير, قبل ان تسلبني, ان تسحبني الى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير, لاكتب وصيتي الى اخي الامير سالم الزير, فأوصيه باولادي وفلذة كبدي...فسحبه العبد الى قرب البلاطة, والرمح غارس في ظهره, والدم يقطر من جنبه... فغمس "كليب" اصبعه في الدم, وخط على البلاطة وانشأ يقول
...لا تصالح!... ولو منحوك الذهبأترى حين افقأ عينيك, ثم اثبت جوهرتين مكانهما ..هل ترى ؟هي اشياء لا تشترىذكريات الطفولة بين اخيك وبينك,حسكما -فجأة- بالرجولةهذا الحياء الذي يكبت الشوق ..حين تعانقهالصمت -مبتسمين- لتأنيب امكما ...وكأنكماما تزالان طفلين!!تلك الطمأنينة الابدية بينكما:ان سيفان سيفكصوتان صوتكانك ان مت:للبيت ربوللطفل ابهل يصير دمي -بين عينيك- ماء؟اتنسى ردائي الملطخ..تلبس - فوق دمائي- ثيابا مطرزة بالقصب؟انها الحرب!قد تثقل القلب...لكن خلفك عار العربلا تصالحولا تتوخ الهرب!لا تصالح على الدم .. حتى بدم!لا تصالح! ولو قيل رأس برأس!أكل الرؤوس سواء؟أقلب الغريب كقلب اخيك؟أعيناه عينا اخيك؟وهل تتساوى يد .. سيفها كان لكبيد سيفها أثكلك؟!سيقولون:جئناك كي تحقن الدم..جئناك. كن - يا أمير- الحكمسيقولون:ها نحن أبناء عمقل لهم: انهم لم يراعوا العمومة فيمن هلكوأغرس السيف في جبهة الصحراء..الى ان يجيب العدمانني كنت لكفارساو أخاو أباوملك!لا تصالحولو حرمتك الرقادصرخات الندامةوتذكر( اذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولاطفالهنالذين تخاصمهم الابتسامة)ان بنت اخيك "اليمامة"زهرة تتسربل -في سنوات الصبا-بثياب الحدادكنت, ان عدت:تعدو على درج القصرتمسك ساقي عند نزولي ..فأرفعها - وهي ضاحكة-فوق ظهر الجوادها هي الآن .. صامتة.حرمتها يد الغدر:من كلمات ابيها,ارتداء الثياب الجديدة,من أن يكون لها -ذات يوم- أخ!!من أب يبتسم في عرسها..وتعود اليه اذا الزوج اغضبها..واذا زارها.. يتسابق احفاده نحو احضانه,لينالوا الهدايا..ويلهو بلحيته ( وهو مستسلم)ويشدو العمامةلا تصالح!!فما ذنب تلك اليمامةلترى العش محترقا.. فجأة,وهي تجلس فوق الرماد؟!لا تصالحولو توجوك بتاج الامارةكيف تخطو على جثة ابن ابيك ..؟وكيف تصير المليك..على أوجه البهجة المستعارة؟كيف تنظر في يد من صافحوك..فلا تبصر الدم..في كل كف؟ان سهما أتاني من الخلف..سوف يجيئك من الف خلففالدم -الآن- صار وساما وشارةلا تصالح!ولو توجوك بتاج الامارةان عرشك: سيفوسيفك: زيفاذا لم تزن -بذؤابته- لحظات الشرفواستطبت -الترفلا تصالحولو قال من مال عند الصدام".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."عندما يملأ الحق قلبك:تندلع النار ان تتنفسلا تصالح,ولو قيل ما قيل من كلمات السلامكيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس؟كيف تنظر في عينى امرأة ..انت تعرف انك لا تستطيع حمايتها؟كيف تصبح فارسها في الغرام؟كيف ترجو غدا .. لوليد ينامكيف تحلم او تتغنى بمستقبل لغلاموهو يكبر -بين يديك- بقلب منكس؟لا تصالحولا تقتسم مع من قتلوك الطعاموارو قلبك بالدم..وارو التراب المقدس..وارو اسلافك الراقدين ..الى ان ترد عليك العظام!لا تصالح,ولو ناشدتك القبيلةباسم حزن "الجليلة"ان تسوق الدهاء,وتبدي -لمن قصدوك- القبولسيقولون:ها أنت تطلب ثأرا يطولفخذ -الآن - ما تستطيعقليلا من الحق..في هذه السنوات القليلةأنه ليس ثأرك وحدكلكنه ثأر جيل فجيلوغدا..سوف يولد من يلبس الدرع كاملة,يوقد النار شاملة,يطلب الثأريستولد الحقمن أضلع المستحيل.لا تصالح,ولو قيل ان التصالح حيلةانه الثأرتبهت شعلته في الضلوع..اذا ما توالت عليها الفصول..ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)فوق الجباه الذليلة!!لا تصالح,ولو حذرتك النجومورمى لك كهانها بالنبأ..كنت أغفر لو أنني مت..ما بين خيط الصواب وخيط الخطألم أكن غازيا,لم أكن اتسلل قرب مضاربهمأو احوم وراء النجوملم أمد يدا لثمار الكرومأرض بستانهم لم أطألم يصح قاتلي بي: "انتبه"!كان يمشي معيثم صافحنيثم سار قليلاولكنه في الغصون أختبأ!فجأة:ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..واهتز قلبي -كفقاعة- وانفثأوتحاملت, حتى احتملت على ساعديفرأيت: ابن عمي الزنيمواقفا يتشفى بوجه لئيملم يكن في يدي حربة,او سلاح قديم,لم يكن غير غيظي الذي يتشكى الظمألا تصالح,الى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:النجوم .. لميقاتهاوالطيور.. لأصواتهاوالرمال.. لذراتهاوالقتيل لطفلته الناظرةكل شيئ تحطم في لحظة عابرة:الصبا -بهجة الامل- صوت الحصان .. التعرف بالضيف - همهمة القلب حين يرى برعما في الحديقة يذوي -الصلاة لكي ينزل المطر الموسمي - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتوهو يرفرف فوق المبارزو الكاسرةكل شيئ تحطم في نزوة فاجرةوالذي اغتالني: ليس ربا..ليقتلني بمشيئتهليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته,ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارته الماكرةلا تصالح,فما الصلح الا معاهدة بين ندين..(في شرف القلب)لا تنتقصوالذي اغتالني محض لصسرق الارض من بين عينيوالصمت سطلق ضحكته الساخرة!لا تصالح,ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ,والرجال التي ملأتها الشروخ,هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد,وانتطاء العبيد,هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق اعينهم,وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخلا تصالح,فليس سوى ان تريدانت فارس هذا الزمان الوحيدوسواك .. المسوخ!لا تصالحلا تصالح!!"أقوال اليمامة""فلما جاءت الوفود ساعية الى الصلح, قال لهم الامير سالم: أصالح اذا صالحت اليمامة.. فقصدت اليمامة امها الجليلة ومن معها من نساء سادات القبيلة, فدخلن اليها, وسلمن جميعا عليها, وقبلت الجليلة بنتها وقالت: أما كفى؟ فقد هلكت رجالنا وساءت احوالنا, وماتت فرساننا وابطالنا. فأجابتها اليمامة: أنا لا أصالح, ولو لم يبق احد يقدر ان يكافح.."أبي .. لا مزيد!أريد أبي عند بوابة القصر,فوق حصان الحقيقة,منصبا .. من جديدولا اطلب المستحيل, ولكنه العدل:هل يرث الارض الا بنوها؟ولا تتناسى البساتين من سكنوها؟وهل تتنكر أغصانها للجذور..(لأن الجذور تهاجر في الاتجاه المعاكس؟)هل تترنم قسثارة الصمت..الا اذا عادت القوس تذرع أوتارها العصبية؟والصدر ! حتى متى يتحمل ان يحبس القلب..قلبي الذي يشبه الطائر الدموي الشريد؟هي الشمس, تلك التي تطلع الآن؟أم أنها العين -عين القتيل- التي تتأمل شاخصة:دمه يترسب شيئا فشيئاويخضر شيئا فشيئافتطلع من كل بقعة دم: فم قرمزي..وزهره شر..وكفان قابضتان على منجل من حديد؟هي الشمس؟ أم انها التاج؟هذا الذي يتنقل فوق الرؤوس الى ان يعودالى مفرق الفارس العربي الشهيد؟أقول لكم: أيها الناس كونوا أناسا!هي النار, وهي اللسان الذي يتكلم بالحق!ان الجروح يطهرها الكي,والسيف يصقله الكير,والخبز ينضجه الوهج,لا تدخلوا معمدانية الماء..بل معمدانية النار..كونوا لها الحطب المشتهى والقلوب: الحجارة,كونوا.. الى ان تعود السماوات زرقاء,والصحراء بتولا..تسير عليها النجوم محملة بسلال الورود,أقول لكم: لا نهاية للدم..هل في المدينة يضرب بالبوق, ثم يظل الجنودعلى سرر النوم؟هل يرفع الفخ من ساحة الحقل.. كي تطمئن العصافير؟ان الحمام المطوق ليس يقدم بيضته للثعابين..حتى يسود السلام,فكيف الدم رأس ابي ثمنا؟من يطالبني ان أقدم رأس أبي ثمنا.. لتمر القوافل آمنة,وتبيع بسوق دمشق: حريرا من الهند,أسلحة من بخارى,وتبتاع من بيت جالا العبيد؟"مراثي اليمامة"صار ميراثنا في يد الغربائوصارت سيوف العدو: سقوف منازلنانحن عباد شمس يشير بأوراقه نحو أروقة الظل,ان التويج الذي يتطاوليخرق هامته السقف,يخرط قامته السيف,أن التويج الذي يتطاوليسقط في دمه المنسكب!نستقي -بعد خيل الاجانب- من ماء آبارناصوف حملائنا ليس يلتف لا على مغزل الجزية,النار لا تتوهج بين مضاربنابالعيون الخفيضة نستقبل الضيفأبكارنا ثيبات..وأولادنا للفراش..ودراهمنا فوق صورة الملك المغتصب..أيادي الصبايا الحنائن تضم على صدره نصف ثوبوتبقى عيون طكليب" مسمرة في شواشى الجنائن.أسائل:من للصغار الذين يطيرون -كالنحل- فوق التلال؟ومن للعذارى اللواتي جعلن القلوب:قوارير تحفظ رائحة البرتقال؟ومن سيروض مهر الخيال؟ومن سيضمد -في آخر الصيد- جرح الغزال؟ومن للرجال..أذا قيل "ما نسب القوم"؟فانسكبت في خدود الرمال دموع السؤال؟بنات أبي -الزهرات الصغيرات- يسألنني:لم أبكي أبي!!ويبكين مثلي,ويخلدن للنوم حين أغالب دمعي,وأروي لهن الحكاياعن الملك النسروالملك الثعلبفان نمن.. جاء أبي.. ليهز الأراجيح..يلمس وجناتهن..ويعطي لهن اللعب..ويمضي.. وعيناه مسبلتان..وساقاه تشتكيان التعب..أبي ظامئ يا رجالأريقوا له الدم كي يرتويوصبوا له جرعة جرعة في الفؤاد يكتويعسى دمه المتسرب بين عروق النباتات,بين الرمال..يعود له قطرة قطرة..فيعود له الزمن المنطوي..خصومة قلبي مع الله .. ليس سواهأبي أخذ الملك سيفا لسيف, فهل يؤخذ الملكمنه اغتيالا,وقد كللته يدا الله بالتاج؟!هل تنزع التاج الا اليدان المباركتان,وهل هان ناموسه في البريةحتى يتوج لص.. بما سرقته يداه؟خصومة قلبي مع الله..انيأنزه سهم منيته أن يجيء من الخلف,ان الذي يطلق السهم ليس هو القوس..بل قلب صاحبه,والذي يجعل النفس تستقبل الموت راضية.. نبل واهبه,فأنا أرفض الموت غدرا..فهل نزل الله عن سهمه الذهبي لمن يستهين بههل تكون مكان أصابعه.. بصمات الخطاه؟؟خصومة قلبي مع الله .. ليس سواه!كليب يموت..ككلب تصادفه الفلاة؟اذن فلماذا كسا وجهه الصورة الآدمية؟هل كرم الله انسانه؟مات من مات كلبا.. فأين ذهب الآدمي الذيقد براه؟خصومة قلبي مع اللهقلبي صغير كفستقة الحزن.. لكنه في الموازينأثقل من كفة الموت,هل عرف الموت فقد أبيه,هل أغترف الماء من جدول الدمع,هل لبس الموت ثوب الحداد الذي حاكه.. ورماه؟خصومة قلبي مع اللهاين وريث أبي؟ذهب الملك,لكن لأسم أبي حق ان يتناقله ابنه عنهفكيف يموت أبي مرتين؟أيتها الأنجم المتلونة الوجه:قولي له:قد سلبت حياتين..أبق حياه..ورد حياه..خصومة قلبي مع الله.هذا الكمال الذي خلق الله هيئته,فكسا العظم باللحم,ها هو: جسما -يعود له- دون رأس,فهل تتقبل بوابة الغيب من شابه العيب,أم ان وجه العدالة:أن يرجع الشلو للأصل,أن يرجع البعد للقبل,أن ينهض الجسد المتمزق مكتمل الظلحتى يعود الى الله.. متحدا في بهاه؟يجيء أخي هل عباءته الريح؟هل سيفه البرق؟هل يتمنطق فوق جواد السحاب؟يجيء أخي!غافلا عن كتاب المواريثعن دمه الملكي,عن الصولجان الذي صار مقبضه العاج:رأس غراب!!يجيء أخي( كان يعرفه القلب 1)أقذف تفاحةيتصدى لها وهو يطحنها بالركاب!(هي الخطأ البشري الذي حرم النفس فردوسهاالأول المستطاب)أثنى, فأقذف تفاحة..تستقر على رأس حربته!( أيها الوطن المستدير.. الذي تثقب الحرب عذرتهبالحراب).. وتفاحة تتلقفها يده!( هي جوهرة الملك,جوهرة العدل,جوهرة الحب..فالحب آب!)قلوب ثلاثية شارة الزمن القديم المستجابقفوا يا شباب!لمن جاء من رحم الغيب,خاض بساقيه في بركة الدملم يتناثر عليه الرشاش,ولم تبد شائبة الثياب!قفوا للهلال الذي يستدير..ليصبح هالات نور على كل وجه وباب!قفوا يا شباب!كليب يعود.. كعنقاء أحرقت ريشهالتظل الحقيقة ابهى..وترجع حلتها - في سناء الشمس .. أزهىوتفرد أجنحة الغد..فوق مدائن تنهض من ذكريات الخراب!!

No comments: